بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد/
فقد قال عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه: «لو نادى مناد من السّماء: أيّها النّاس إنّكم داخلون الجنّة كلّكم إلّا رجلا واحدا لخفت أن أكون أنا هو».
= خرج عمر رضي اللّه عنه يوما إلى السّوق ومعه الجارود، فإذا امرأة عجوز فسلّم عليها عمر، فردّت عليه، وقالت هيه يا عمير: عهدتك وأنت تسمّى عميرا في سوق عكاظ، تصارع الصّبيان فلم تذهب الأيّام حتّى سمعت عمر، ثمّ قليل سمعت أمير المؤمنين: فاتّق اللّه في الرّعيّة. واعلم أنّه من خاف الموت خشي الفوت، فبكى عمر، فقال الجارود: لقد إجترأت على أمير المؤمنين وأبكيته، فأشار إليه عمر: أن دعها.
فلمّا فرغ قال: أما تعرف هذه؟ قال: لا، قال: هذه خولة ابنة حكيم الّتي سمع اللّه قولها، فعمر أحرى أن يسمع كلامها، أشار إلى قوله تعالى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها} [المجادلة:1]، وهي خولة هذه.
= قال عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه لمّا طعن: لو أنّ لي طلاع الأرض ذهبا لإفتديت به من عذاب اللّه قبل أن أراه.
= عن كعب قال: قال لي عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه يوما وأنا عنده: يا كعب، خوّفنا، قال فقلت: يا أمير المؤمنين أو ليس فيكم كتاب اللّه وحكمة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: بلى، ولكن يا كعبُ، خوّفنا، قال: قلت: يا أمير المؤمنين، إعمل عمل رجل لو وافيت القيامة بعمل سبعين نبيّا لازدرأت عملك ممّا ترى.
= عن جابر بن عبد اللّه رضي اللّه عنهما قال: رأى عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه في يدي لحما معلّقا، قال: ما هذا يا جابر؟. قلت: إشتهيت لحما، فإشتريته، فقال عمر: كلّما إشتهيت إشتريت، أما تخاف هذه الآية: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا} [الأحقاف:20].
= قال عبد اللّه بن عامر بن ربيعة: رأيت عمر بن الخطّاب أخذ تبنة من الأرض، فقال: يا ليتني هذه التّبنة، ليتني لم أكن شيئا ليت أمّي لم تلدني، ليتني كنت نسيا منسيّا.
= قال ابن عمر رضي اللّه عنهما كان رأس عمر على فخذي في مرضه الّذي مات فيه فقال لي: ضع رأسي، قال: فوضعته على الأرض، فقال: ويلي وويل أمّي إن لم يرحمني ربّي.
= عن ابن عبّاس رضي اللّه عنهما قال: وعد اللّه المؤمنين الّذين خافوا مقامه وأدّوا فرائضه الجنّة.
= بكى أبو هريرة رضي اللّه عنه في مرضه فقيل له: ما يبكيك؟. فقال: أما إنّي لا أبكي على دنياكم هذه، ولكن أبكي على بعد سفري وقلّة زادي، وإنّي أمسيت في صعود على جنّة أو نار، لا أدري إلى أيّتهما يؤخذ بي.
= قال عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه: إنّ المؤمن يرى ذنوبه كأنّه جالس في أصل جبل يخشى أن ينقلب عليه، وإنّ الفاجر يرى ذنوبه كذباب مرّ على أنفه، فقال به هكذا.
= عن عائشة رضي اللّه عنها أنّها قالت: لمّا قدم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم المدينة وعك أبو بكر وبلال، قالت: فدخلت عليهما، فقلت: يا أبت، كيف تجدك؟، ويا بلال كيف تجدك؟. قالت: فكان أبو بكر إذا أخذته الحمّى يقول:
كلّ امرئ مصبّح في أهله *** والموت أدنى من شراك نعله
= كان عليّ بن الحسين إذا توضّأ اصفرّ وتغيّر، فيقال: مالك؟ فيقول: أتدرون بين يدي من أريد أن أقوم؟.
= قال ذو النّون: النّاس على الطّريق ما لم يزل عنهم الخوف، فإذا زال عنهم الخوف ضلّوا عن الطّريق.
-= قال الحسن البصريّ رحمه اللّه: إنّ المؤمنين قوم ذلّت واللّه منهم الأسماع والأبصار والأبدان حتّى حسبهم الجاهل مرضى، وهم واللّه أصحاب القلوب، ألا تراه يقول: {وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ} [فاطر:34]، واللّه لقد كابدوا في الدّنيا حزنا شديدا وجرى عليهم ما جرى على من كان قبلهم.
= عن الحسن رحمه اللّه قال: لقد مضى بين يديكم أقوام لو أنّ أحدهم أنفق عدد هذا الحصى لخشي أن لا ينجو من عظم ذلك اليوم.
= عن الحسن رحمه اللّه في قوله تعالى: {وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً وَكانُوا لَنا خاشِعِينَ} [الأنبياء :90] قال: الخوف الدّائم في القلب.
= عن الحسن رحمه اللّه قال: أبصر أبو بكر طائرا على شجرة، فقال: طوبى لك يا طائر تأكل الثّمر، وتقع على الشّجر، لوددت أنّي ثمرة ينقرها الطّير.
= قال الحسن البصريّ رحمه اللّه: إنّ الرّجل يذنب الذّنب فما ينساه، وما يزال متخوّفا منه حتّى يدخل الجنّة.
= قال الحسن البصريّ رحمه اللّه: واللّه ما مضى مؤمن ولا بقي إلّا وهو يخاف النّفاق، وما أمنه إلّا منافق.
= قال الحسن البصريّ رحمه اللّه: الرّجاء والخوف مطيّتا المؤمن.
= قال الحسن البصريّ رحمه اللّه في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ} [المؤمنون:60]. قال: كانوا يعملون ما عملوا من أعمال البرّ وهم يخافون أن لا ينجّيهم ذلك من عذاب اللّه.
= قال عمر بن عبد العزيز رحمه اللّه: من خاف اللّه أخاف اللّه منه كلّ شيء، ومن لم يخف اللّه خاف من كلّ شيء.
= قالت فاطمة بنت عبد الملك امرأة عمر بن عبد العزيز للمغيرة بن حكيم: يا مغيرة، إنّه قد يكون في النّاس من هو أكثر صلاة وصياما من عمر، وما رأيت أحدا قطّ كان أشدّ فرقا من ربّه من عمر، كان إذا صلّى العشاء قعد في مسجده ثمّ رفع يديه، فلم يزل يبكي حتّى تغلبه عيناه، ثمّ ينتبه فلا يزال يبكي حتّى تغلبه عيناه.
= قال مالك: دخل عمر بن عبد العزيز على فاطمة امرأته فطرح عليها خلق ساج عليه، ثمّ ضرب على فخذها، فقال: يا فاطمة لنحن ليالي دابق أنعم منّا اليوم، فذكّرها ما كانت نسيته من عيشها، فضربت يده ضربة فيها عنف فنحّتها عنها، وقالت: لعمري لأنت اليوم أقدر منك يومئذ، فقام وهو يقول بصوت حزين: يا فاطمة، إنّي أخاف إن عصيت ربّي عذاب يوم عظيم، فبكت فاطمة، وقالت: اللّهمّ أعذه من النّار.
= قال ابن أبي مليكة رحمه اللّه: أدركت ثلاثين من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، كلّهم يخاف النّفاق على نفسه، وما منهم أحد يقول إنّه على إيمان جبريل وميكائيل.
= عن وهب بن منبّه قال: ما عبد اللّه بمثل الخوف.
= قال إبراهيم التّيميّ: ينبغي لمن لم يحزن أن يخاف أن يكون من أهل النّار، لأنّ أهل الجنّة قالوا: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ}، وينبغي لمن لم يشفق أن يخاف أن لا يكون من أهل الجنّة، لأنّهم قالوا: {إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنا مُشْفِقِينَ}.
= قال سفيان بن عيينة رحمه اللّه: خلق اللّه النّار رحمة يخوّف بها عباده لينتهوا.
= عن حفص بن عمر قال: بكى الحسن، فقيل: ما يبكيك؟ قال: أخاف أن يطرحني غدا في النّار ولا يبالي.
= سئل ابن المبارك عن رجلين أحدهما خائف والآخر قتيل في سبيل اللّه عزّ وجلّ قال: أحبّهما إليّ أخوفهما.
= قال الفضيل بن عياض: الخوف أفضل من الرّجاء ما كان الرّجل صحيحا، فإذا نزل الموت فالرّجاء أفضل.
= وقال أيضا: «إن خفت اللّه لم يضرّك أحد، وإن خفت غير اللّه لم ينفعك أحد».
= قال الوليد بن أبي السّائب: ما رأيت أحدا قطّ كان الخوف على وجهه أبين منه على عمر بن عبد العزيز.
= قال أرطأة بن المنذر: قيل لعمر بن عبد العزيز: لو جعلت على طعامك أمينا لا تغتال، وحرسا إذا صلّيت لا تغتال وتنحّ عن الطّاعون. قال: اللّهمّ إن كنت تعلم أنّي أخاف يوما دون يوم القيامة فلا تؤمّن خوفي.
= قيل للحسن بن صالح: إنّ سفيان يقول: ليتني لم أسمع من هذا العلم بشيء، قال الحسن: ولم؟. قال أبو محمّد: كانوا يتخوّفون من أفضل أعمالهم.
= قال يزيد بن حوشب: ما رأيت أخوف من الحسن وعمر بن عبد العزيز كأنّ النّار لم تخلق إلّا لهما.
= قال يحيى بن معاذ الرّازيّ: على قدر حبّك للّه يحبّك الخلق، وعلى قدر خوفك من اللّه يهابك الخلق.
= عن المعلّى بن زياد أنّه قال: كان هرم ابن حيّان يخرج في بعض اللّيالي وينادي بأعلى صوته: عجبت من الجنّة كيف نام طالبها، وعجبت من النّار كيف نام هاربها، ثمّ يقول: {أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا بَياتاً وَهُمْ نائِمُونَ} [الأعراف:97].
= قال هرم بن حيّان: وددت واللّه أنّي شجرة أكلتني ناقة، ثمّ قذفتني بعرا، ولم أكابد الحساب يوم القيامة، إنّي أخاف الدّاهية الكبرى.
= قال الإمام أحمد رحمه اللّه: الخوف يمنعني من أكل الطّعام والشّراب، فلا أشتهيه.
= قال أبو سليمان الدّارانيّ: أصل كلّ خير في الدّنيا والآخرة الخوف من اللّه عزّ وجلّ وكلّ قلب ليس فيه خوف فهو قلب خرب.
= وعنه قال: من حسن ظنّه باللّه عزّ وجلّ ثمّ لا يخاف اللّه فهو مخدوع.
= قال وهيب بن الورد: بلغنا أنّه ضرب لخوف اللّه كمثل الرّجل يكون في منزله فلا يزال عامرا ما دام فيه ربّه، فإذا فارق المنزل ربّه وسكنه غيره خرب المنزل، وكذلك خوف اللّه تعالى إذا كان في جسد لم يزل عامرا ما دام فيه خوف اللّه، فإذا فارق خوف اللّه الجسد خرب.
= قال أبو عمرو الدّمشقيّ: حقيقة الخوف ألّا تخاف مع اللّه أحدا.
= قال الغزاليّ رحمه اللّه: إنّ الرّجاء والخوف جناحان بهما يطير المقرّبون إلى كل مقام محمود. ومطيّتان بهما يقطع من طرق الآخرة كلّ عقبة كئود.
= قال أبو عليّ الرّوذباريّ: الخوف والرّجاء كجناحي الطّائر إذا استويا استوى الطّير وتمّ طيرانه، وإذا نقص أحدهما وقع فيه النّقص، وإذا ذهبا صار الطّائر في حدّ الموت.
= قال بعض العلماء: ذو الدّين يخاف العقاب، وذو الكرم يخاف العار، وذو العقل يخاف التّبعة.
= قال إبراهيم بن سفيان: إذا سكن الخوف القلب أحرق مواضع الشّهوات منه وطرد الدّنيا عنه.
= قال أبو حفص: الخوف سوط اللّه يقوّم به الشّاردين عن بابه، وقال: الخوف سراج في القلب يبصر به ما فيه من الخير والشّرّ.
= قال الأنصاريّ: الخوف: هو الإنخلاع عن طمأنينة الأمن بمطالعة الخبر، يعني الخروج عن سكون الأمن بإستحضار ما أخبر اللّه به من الوعد والوعيد.
= قال شيخ الإسلام ابن تيميّة رحمه اللّه: الخوف المحمود: ما حجزك عن محارم اللّه.
وَآخِرُ دَعْوَانا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
المصدر: موقع الشيخ سعيد عبد العظيم.